طفل يدافع عن والده
سعيد القحطاني
ديننا الإسلامي هو دين العفة والطهر والنقاء ، ما من خير إلا أمرنا به وما من شر إلا حذرنا منه ، وقد قضى على وحشية الجاهلية ودياثة الوثنية ، وطهَّر الأعراض من الزنا والخنا والفجور ، فأوجب على المرأة المسلمة أن تحتجب ؛ لتستر مفاتنها وتصون محاسنها حتى لا تكون عرضة للوحوش الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، لا همَّ لهم إلا إشباع فروجهم وبطونهم فهم كالأنعام في ذلك ، وتفضلهم الأنعام في التسبيح لله الواحد القهار .
قال تعالى :{ تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما ً غفورا ً }. [ الإسراء : 44 ].
وخير للمرأة أن تقرَّ في بيتها ، وأن تقوم بشئونه وشئون أولادها ، فهي راعية في بيت زوجها ، يقول الله تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ً } . [ الأحزاب : 33 ] ، وإذا كان هذا في حق نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو في حق نسائنا أكبر وألزم.
ومما يفتت القلب كمدا ً ما يشاهد في كثير من بلاد المسلمين من سفور المرأة وتبرجها ، وإتباعها لكل ناعق وتدنسها بالقذارة الغربية حتى أصبحت بلا حياء ولا خجل .
وسأذكر واحدة من آلاف القصص الأليمة التي تبين خطورة السفور والاختلاط ؛..
ففي أيام الصيف في إحدى البلاد وعلى ساحل البحر تحدث مآسي وأحداث ، تعمل عملها المدمر في تخريب البيوت ، وفي انهيار الأخلاق والفضيلة , قبل خمسة أعوام ألحت عليه زوجه ، وطالبته بالسفر إلى المصيف البحري : تستنشق نسيمه العليل ، وتستحم في أمواجه ، وتخالط الغادين والرائحين عارية متهتكة ، متمتعة بحريتها الحمراء ، تقليدا ً للغربيات دون رادع أو دين ، وكان ما هو معروف مألوف .. تعرفت العائلة بعائلة أخرى ، وكان في العائلة شاب مفتول العضل ، جميل الطلعة ، له هامة وقامة ، ويملك سيارة فارهة .
وعرض الشاب خدماته وأريحيته من أجل الشيطان ، فكان وعد ولقاء ، وكان استحمام في البحر ، وكان غزل بين الشاب والزوجة ، وكان الرجل ـ الزوج ـ في شغل شاغل عن زوجه وولدها الطفل في رؤية لحوم البحر البشرية كاسية عارية ، وكان له موعد ولقاء حرام !
كان الشاب يتطوع كل يوم لنقل العائلة : الزوج و الزوجة وطفلهما بسيارته صباحا ً ومساء ً إلى البحر ، وكانوا يستحمون جميعا ً في مكان واحد .
وكانت الزوجة لا تحسن السباحة ، فتطوع الشاب لتعليمها السباحة ، وكان زوجها يبتعد عنهما ليلاقي من يلاقي بعيدا ً عن أنظار الزوجة ، وكان ينشر شباكه متصيدا ً أعراض الناس ، تاركا ً عرضه لذلك الشاب ، كما يترك الراعي الغنم للذئب .
وابتدأ الأمرين الزوجة والشاب إعجابا ً بالأريحية ، ثم تطور الأمر إلى الإعجاب بالجسد ، ونام الحارس فرتع اللص ، فكان لابد للنار أن تشتعل فتحرق الإخلاص الزوجي ، وتحرق الطهر والعفاف .
وكانت الزوجة تحب زوجها ولا تطيق عنه صبرا ً ، فأصبحت تكره لقاءه وتحسب الدقائق والساعات للقاء حبيبها الجديد.
وأراد الشاب أن يتخلص نهائيا ً ، فبيت في نفسه أمرا ً ...
أظهر إخلاصه وتفانيه للزوج ، وأبدى إعجابه بمواهبه ورجولته ، وكانت زوجه لا تنفك تذكر شهامة الشاب وتحببه لزوجها ، فوثق به الزوج وسلمه مقاليد أمره كله .
وفي يوم من الأيام تمارضت الزوجة ، فعكفت في شقتها ومعها طفلها ، فاستأذن الزوج أن يصاحب صديقه الشاب مبحرا ً ليستحم في البحر .
وعاد الشاب وحده بعد ساعتين ليعلن للزوجة أن زوجها قد غرق في البحر ، وأنه حاول انتشاله فباءت محاولاته بالفشل .
لقد كان البحر خاليا ً من الناس ، وكان البحر مائجا ً صاخبا ً ، وكان الموج يرتفع كالجبال ويهبط كما تهبط الشهب من السماء . وكان الزوج لا يحسن السباحة ، ولكن الشاب استدرجه بعيدا ً عن الشاطئ ، ثم تركه طعمة للأمواج يستغيث فلا مجيب ، ثم ابتلعته الأمواج إلى البعث والنشور .
كانت الزوجة يتيمة لا معيل لها ، وكان الشاب وحيدا ً في شقته بعيدا ً عن أهله .
وعرض عليها الشاب بحنان ولهفة أن تشاركه شقته ومصيره ، وأبدى لها استعداده لاحتضان طفلها من أجلها ومن أجل حبها غير المقدس ، ووعدها بالزواج .
واستكانت الزوجة للشاب ، فآوت إلى شقته واستقرت فيها ، وكان طفلها في الرابعة من عمره ، يظن أن الشاب أبوه ، فيناديه من كل قلبه يا أبي يا أبي .
طالبته الزوجة بالزواج فماطل أولا بلطف وتودد ، ثم بقسوة وعنف ، وبعد أشهر تبدل الشاب اللطيف إلى صل( نوع من الحيات ) خبيث فأظهر تذمره منها ومن طفلها ، وتعلق قلبه بغيرها من النساء ، فأصبح في شقته حاضرا ً كالغائب ، يأوي إليها في الهزيع الأخير من الليل .
وفي ضحى يوم من أيام الشتاء ، كان الشاب يتناول فطوره ، وكانت تلك الزوجة تعاتبه وتطالبه بالزواج بها ، فأظهر أنيابه السامة ، وكشف عن الحقيقة التي كان يسترها من قبل ، وطالبها بالجلاء عن الشقة لأنه اعتزم الزواج والاستقرار .
وانهمرت دموعها غزيرة ، وذكرته بالماضي الحلو الجميل ، ولكنه كان كالصخرة الصماء قسوة وعُنفا ً .
وكان الطفل البريء لا يعرف للدموع معنى ، ولا يفهم ما يدور حوله من أحداث .
وكان الطفل يلاعب مسدس الشاب الذي كان إلى جانبه ، وكان الشاب في شغل شاغل عنه ، وكان يعلم يقينا ً أن المسدس خال من العتاد ... لأنه كان قد أخرج منه عتاده بعد عودته إلى شقته في الهزيع الأخير من ليلة أمس .
ولكنه كان ثملا لا يفرق بين النور والظلام ، بعيدا ً بعقله في تيار الخمر والرذيلة ، وفجأة انطلقت رصاصة من مسدسه واستقرت في الجزء الأسفل من قلب الشاب ، فتلوى لحظات ثم سقط من كرسيه فاقد الوعي .
وفي هذه اللحظات نطق الشاب بكلمات قليلة كانت آخر ما نطق في حياته ، وكان الجيران قد تجمعوا فور سماع إطلاق النار ، فقال مخاطبا ً الزوجة : " لقد أغرقت زوجك في البحر ليصفوا الجو لي معك وحدي " .
وجاء الطبيب على عجل ، فوجد أن أمر الشاب قد انتهى وأنه فارق الحياة . ورحل في زمن لا يخطر على بال ، وكان يظن طول العمر وألهاه الأمل ، ولكن حال الأجل بينه وبين كل لذة ، وفارق الدنيا وهو يحمل إصره على ظهره ، وسيقف بين يدي ربه فيقول له الغريق : لماذا أغرقتني ؟ ولماذا فرقت بيني وبين زوجتي وطفلتي ؟ وعندما يسكت اللسان وتتكلم الجوارح بكل ما عملت ، ويتمنى لو أنه سلم من مخالطة الأشرار ومن موافقة الفجار .
وما هذه القصة إلا واحدة من مئات أو أكثر تبين عاقبة السفور والاختلاط وعاقبة انعدام الغيرة ، وتوضح أن من تتبع عرض غيره قُيّض لعرضه من يتتبعه ثم يفضح في جوف داره .
من كتاب الأعمال بالخواتيم . لفضيلة الشيخ العلامة : سعد الحجري