عاشقه الجنه عضو محترف
عدد الرسائل : 1150 تاريخ التسجيل : 30/07/2007
بطاقة شخصية ملاحظاتي:
| موضوع: مُختارات نثريّة ،، الأحد ديسمبر 16, 2007 6:32 pm | |
| ما أجمل الألحان النديّة الـ يعزفها نبضكِ الراقي وكـ أنها تجر قبائل مِن الـ ع ـطور ،لـ تُعانق الـ رّوح (يغلايْقُبلة لـِ جبينِ طُهركِ،،،،،،،
على مَشَارفِ القِمَّة لـ النّور ( نُـور الجندلي ( تَنظُرُ إلى القمّة من أسفل، أعلى قمّة، تدبُّ في داخلكَ رُوحُالمغامرة، تختارُ الصّعود بعزم، تهيئ الأدوات اللازمة لتعتليها، وسريعاً .. تبدأ في الصّعود الطّريقُ شاقّة وعرة، متعرّجة ضيّقة، حافّتها خطرة، زلّة قدمٍ؛ وتسقطُ في الهاويةالريحُ تشتدّ، والعقبات في وجهكَ تزداد، وأنت صامدٌ عازمٌ على الوصول كم مرّة حدثتكَ نفسكَ أن تعود، وكم مرّة جزع قلبك من فكرة السّقوط ؟!أقدامكَ تتراجع، لكنّ شيئاً في داخلك يجذبك،يناديك لأن تتقدم، فتغمض عينيكَ عن كل فكرة سوداء تلوح،وتواصلُ العبورعندما تقترب من مشارفها، ويناديك الجميعُ بالبطل المغامر،تعلو كثيراً في عيني نفسك،فقد حققت غايتك ومناك،قهرت الجبن والخوف والتردد والشكوها أنت ترى العالم من الأعلى بروح المنتصر،ولعلّ غروراً يعتريك فترتدي رداءًلا يليق بمبادئ كنت تملكها،فتنسى ذلك الرجل الماهر الذي نسج لك حبل الصّعود متيناً تعتمدُ عليه لكي تصعد، وزوجتك التي هيأت لك زاد الرّحلة، وفكرت في أن يكون خفيف الوزن طيّبالطعم يعطي الطاقة والحياة، أو تنسى ذلك الطفل الصّغير الذي لوّح لك بيده الصّغيرة وهو يراك تتقدم في أسفل الجبل، وقال بصوته العذب، ستصل يا عمي إلى الأعلىولعلك تنسى ذلك الطائر الحرّ الذي أوحى لك تحليقه في الأعالي بصعود القمم !أو كلمات معلمك أيام المدرسة وهو يشعلُ في قلبك حماساً لتحقق كل نجاح تتمناه ربما تنسى أيضاً خطبة الشيخ الجليل في المسجدوهو يحرّك في كلماته العزائم للصعود، وذلك الكاتب البارع في الصحيفة اليومية التي تطرق بابك كل صباح وهو ينادي الأبطال ليحيوا الأمة من جديدوكثيراً غيرهم تركوا في عالمك بصمات كثيرة، فكر ملياً بهم وأنت في مكانك هناك، كم أعطوك من سعادة، وبثّوا في روحك من حماس، وحرّكوا كوامن القوّة، فتفجرت لتحقق ما تريد فاحمد الله أن أوجدهم في طريقك ليوصلوك،واسعد بما حققت من حلم، وجِد لنفسك حلماً أكبر، وقمّة أعلى ، وأحسن اختيار الحلم، كي تغدو الحقيقة أجمل. وانزل الآن بخطوات ثابتة من القمة،متجهاً إلى الحياة، شقّها بحماس، وارسم مستقبلك كما تحب،لا ترضَ بأقل من التفوّق، ولا تستسلم لأول العقبات، بل حارب لتحصّل غايتك،فـ بِانتظارك أكاليل الغاروعلى مشارف القمّة تذكر دائماً كل يد بيضاء عبّدت لك الطريق، وكن وفياً، إن لم يكن في عطاء فليكن أخلص دعاء . | |
|
رنيـ الصمت ـن صاحب المنتدى
عدد الرسائل : 3074 تاريخ التسجيل : 07/07/2007
بطاقة شخصية ملاحظاتي:
| موضوع: رد: مُختارات نثريّة ،، الأحد ديسمبر 16, 2007 6:42 pm | |
| بل حارب لتحصّل غايتك،
يـــــا لها من كــــــلــــــــمات رائعة جزاك الله الجنه تـقـبـلـي مــــــــــروري | |
|
عاشقه الجنه عضو محترف
عدد الرسائل : 1150 تاريخ التسجيل : 30/07/2007
بطاقة شخصية ملاحظاتي:
| موضوع: رد: مُختارات نثريّة ،، الإثنين ديسمبر 17, 2007 7:33 pm | |
| [color=dimgray]وَ.. هذه الـ ثمرة البِكر جماليّةٌ لـِ ممدوح رزق .. ، ما لا يلزم الحفار في مهمته /
لديكِ كل شيء.. ليل تقليدي ومقعد في شرفة . لديكِ سحابة تشبه سمكة صغيرة كان لابد أن تلحظي مرورهاالواهن في العتمة , لديكِ صمت.. وفكرة ميتة عنالقيام بانتحار مفاجئ , لديكِ جيران أغلقوا نوافذهم في وجهكِ.. كأنما يريدون التخلص من عجزهم عن فهم سر جلوسكِ هكذا كل ليلة , لديكِ كل شيء.. مسبحةتشعرين أنها لم تكن كافية للتقرب من الله وذاكرة لم تضعفعن الأيام التي لم تكن جميلة , لديكِ موتى كانوا ذات يوممجرد أحياء وأحياء ذات يوم سيموتون فحسب .. وأنتِبعين ترى الحياة وبالأخرى التي ترى الموت , تخبئينالأمنيات الغير مستحيلة عن إغماض العينين ثم فتحهمافتصبحين غير خائفة وغير مصابة بالدوار ونيتكِ الحسنة لميرد ذكرها في قائمة الخراب . لديكِ كل شيء ، أصابعصغيرة ومناديل ورقية . آه .. المناديل الورقية ، صديقتكِ الحميمة منذ الطفولة الحميمة لدرجة ألا يمكن أنتصبح ذات يوم غريبة أو خائنة ، حتى بعد أن أدركتِ أنالبكاء أصبح وسيلة مستهلكة في التعبير عن القسوة يمكنهاأن تظل مخلصة لكِ وأنت بلا دموع , يمكنك أن تمزقيهاببطء لقطع صغيرة جدا منديل تلو الآخر , ستمنحكِ بمنتهى الوفاء فرصة التطلع لشيء ما يتم تمزيقه ببطء وصمت .. شيء أبيض وضعيف يتحول لأشلاء ضئيلة . لديكِ كل شيء ، ليل تقليدي ومقعد خال في شرفة خالية سحابة تشبه سمكة صغيرة تمر في العتمة , صمت ترك بابهمفتوحا للهواء .. ليعبر ويحمل قطع المناديل الورقية بعيدافي كل اتجاه ليضمن أن تظل الشرفة الخالية هكذا بلا وداعمختلف !....
[/color] | |
|
عاشقه الجنه عضو محترف
عدد الرسائل : 1150 تاريخ التسجيل : 30/07/2007
بطاقة شخصية ملاحظاتي:
| موضوع: رد: مُختارات نثريّة ،، الإثنين ديسمبر 17, 2007 7:41 pm | |
| الملاك الحارس لـِ "حسن حميد "
مساءً، أحسستُ بالأسى يملأ قلبي، وقد بتُّ وحيداً في الحديقة العامة، وهما لم يحضرا بعد ! لا أحد حولي، لا عشاق يتهامسون، ولا أطفال يجرون أو يتصارخون، ولا عجزة مثلي يتأملون.
يخيفيني هذا الفراغ العجيب، فأطلق بصري في ما حولي فلا أرى سوى المقاعد المنزوية تحت الأشجار ، وقرب مراتب العشب، وفي البعيد، أرى الحارس العجوز الضامر يترامح هنا وهناك ، يغلق الأبواب ، يتفقد الأدوات والأسيجة ومصابيح الإنارة، ويخرج !
كان المطر ، قد بدأ منذ لحظات ، يتساقط ناعماً رخواً، وكنت ألوذ بمعطفي الأسود الطويل تحت واقية التوتياء المصبوغة بإعلانات الأشربة الباردة، أتفرج على الناس الهاربين من المطر وعتمة المساء والريح اللافحة، والسيارات اللجوجة، والبيوت التي راحت تبدي جمالها بعدما أضاءت نوافذها وشرفاتها العديدة. أحسست بوطأة الصمت ، ووحشة المكان، وبوحدتي المديدة، فهممت أكثر من مرة أن أذهب وقد ازدادت البرودة وتضاعفت، إلا أن شوقي لرؤيتها وهما يتهاديان إلى موعدهما الاعتيادي، جعلني أتلبث في مكاني لكي أراهما فقط !
كانت روحي، لحظة يطلان، تطمئن وتهدأ كأنني ملاكهما الحارس، وما أن يجلسا حتى أنهض مديراً لهما ظهري، متميناً لو أن أشجار الحديقة تتقارب وتتزاحم حولهما لتحجبهما عن نظرات الناس اللائبة. لا أدري ما الذي حببهما إليّ دون باقي الخلق الوافدين إلى الحديقة.
كما لا أدري لما رضيتُ عن لقاءاتهما دون أن أعرف محتواها؛ بل لا أدري لماذا كان النوم يجافيني في المساءات التي لا أراهما فيها؛ كلّ ما أدريه هو أنني ، وكلما رأيتهما ، تذكرت الماضي ، يوم كنتُ ألتقي ربيعة قرب بيتهم بعيداً عن العيون الراقبة؛ ربيعة جمال الدنيا الذي لا أنساه، وغصّتها التي لم أستطع محوها بعدما التهمها المرض فجأة فقطع خيطها مرة واحدة !
طال الوقت وامتدّ ، ولم يأتيا !
لعنتُ العتمة والبرد الشديد؛ لكنني لم أفقد الأمل، ولم أغادر مكاني.
نشطتُ في مراقبة المداخل، وأرهفت سمعي، ولكن دون جدوى، فالحارس ولى بعدما سها عني قاصداً كعادته. أخثر بصري فوق مقعدهما الخشبي القريب مني، والمتواري وراء مشتل الورد القريب من الشارع العام، والمطل على البحرة الواسعة ونافورتها التي تحيل الماء إلى خيوط من الفضة اللامعة.
لقد اعتدتُ على رؤيتهما في كلّ مساء وهما يتقدمان ببطء فوق خطا خجلى نحو مقعدهما المعهود، وقد عششت كفُّ الفتاة البيضاء الطويلة في كفّ رفيقها الطويل الأسمر، وقد مال رأسها نحو كتفه لائذاً في هجعة أرقُّ من الشوق وأحنّ ؛ يمشيان على مهل وهما يتبادلان الهمس، والنظرات ، والدفء الرغوب. لم اقترب منهما أبداً، ولم أر تفاصيل وجهيهما، ولم أسمع همهماتهما. كنتُ أكتفي دائماً بعذوبة هذا المشهد الرخي، وبرهافته الآسرة.
في مرات قليلة ، كنتُ أشعر بالحزن وأنا أرى الشاب يدخل الحديقة وحيداً يهفو إلى المقعد كالمطرود، يجالسه ويمسّد عليه بكفّه لكأنه يدفئ المكان والوقت ريثما تأتي هي، فلا يهدأ أو يستكين إلا عندما يراها قادمةً على عجل تهمي مثل عيدان القصب، ترمي للدرب خطاها ولهاثها ونظراتها الشرود؛ لحظتئذٍ يصير مشهد اللقيا أبعد من اللهفة وأبقى !
أحسُّ بالليل يوغل في العتمة والهدأة الفائقة، وهما لا يأتيان. تأخّر الوقت كثيراً ، والبيوت أطفأت أنوارها، وهما لا يبدوان! أرفع قامتي رويداً رويداً، وأدفع خطاي نحو مقعدهما الوحيد البارد، فيلفّني المطر الحنون، ونظري يلوّب عليهما حائراً هنا وهناك في مفارق الحديقة، وخلف الأشجار فلا أرهما. أصل إلى المقعد. أدقق النظر فيه كأنني أراه للمرة الأولى. ألمّس عليه. أمسح نقاط المطر المتساقطة على أطرافه. أطرد بلله، وأجمع أوراق الأشجار الصفر المتناثرة حوله، أجعلها طبقاً فوق طبق مفرشاً طرياً لأقدامهما. أبدو كمن يؤثث المكان بأنفاسه وحيرته، وحين أطمئن أنسل مبتعداً كي لايضبطاني خلسة قرب عشهما فينفران كطيرين عزَّ عليهما الأمان، وقبل أن أحث الخطا خارجاً استدير نحو المقعد، أحدّق فيه وأطيل النظر، ثم أحدّق فيه وأطيل النظر ، فلا أمضي إلا وقد رأيتهما مثل غيمتين يهبطان عليه بعدما أعياهما التعب والجولان، إحداهما تدنو من الأخرى وتمسح عليها كيد ناحلة تقطر زيتاً تمرّ بخشوع على أيقونة ملأى بالألم العميم، وابتعد حابساً أنفاسي وطاوياً وقع خطاي، وقد خلفتهما ورائي تضيئهما أنوار السيارات حيناً ، وتخفيهما حيناً آخر في لحظة أرحب من المساء وأغنى . | |
|
حبيب الاسلام عضو محترف
عدد الرسائل : 627 العمر : 25 تاريخ التسجيل : 08/11/2007
بطاقة شخصية ملاحظاتي:
| موضوع: رد: مُختارات نثريّة ،، الإثنين ديسمبر 17, 2007 8:14 pm | |
| بارك الله فيك تقبلي مروري | |
|
عاشقه الجنه عضو محترف
عدد الرسائل : 1150 تاريخ التسجيل : 30/07/2007
بطاقة شخصية ملاحظاتي:
| موضوع: رد: مُختارات نثريّة ،، الأحد يناير 06, 2008 9:07 pm | |
|
صخبٌ لـِ إحتياجات متأخّرة - عبدالواحد الأنصاري -
، البارحة كان الصقيع شديدا ، و لكنّي بتّ متعرّقا ، أصحو نصف صحوة،وأمسح صدري وأعود فأنام،ولكنّي صحوتُ اليوم فلم أجد رائحةً لعرقي،بل وجدت شذاكِ أنت،فاشتقت إلى الصيف. في العاشرة من كل صباح وعلى الريق،أنت في معجون أسناني وطبق إفطاري،وقبلَ ذلك،أنتِ في ترنّح قدمي المرتبكة،وفي قبس الضوء الأول وهو ينفذ إلى كياني،من خصاص عينيّ اللتين تنفتحان للتّو،بل في التنفس الأول من أنفاس استيقاظي،فهل تسمحين لي أن أحلم بأن أكون أغنيتك الأولى؟ تهطلين فيبدأ الغليان،وتتنافض جميع قطرات الدم بين قطرة قافزة لردة فعل الهطول،وأخرى منفجرة من الداخل بسبب البركان،حفلة دموية بكل معنى الكلمة،الارتواء فيها والظمأ يتناسيان أحقادهما القديمة، ويتآمران عليّ في رقصة مشتركة. لقد اختصرت المستقبل وقرّرت ذبحه قربانا للحظات من الزخم العشقيّ،استحضرت الأبد،وحكمت عليه حكما حضوريا قاسيا بالتقزم الفوريّ،طويت في قبضتي جبله الأسطوري، وكوّرته كورقة هشّة مهترئة،ثم طوّحت به في ذرّة من ذرّات اللحظة المارقة،في اللمحة من لمحات الثانية التي نطقت فيها معترفة بالكلمة التي خلخلت الموازين،وكأنّ نواة الأرض شهقت شهقة ابتلعت فيها بحار الأرض ويابستها وغلافها الجوّي برمّته،ألا يعني ذلك موت الأبد في لحظة صخب مارقة على نواميس الكون؟ لكن كيف لي أن ألبس لك ذاكرة آنيّة وقتية مرحلية إقليمية،في جزيرة فرح أقصيها عن يابسة ذكرياتي المتوجّعة والمندهسة تحت أثقال تساؤلاتك المتوجّسة،وأنت القائلة بملء فيك: "خفت أن صوتي صدمك،أنّ بحّته خذلتك،أنّ وخزه جعلك تفكّر بالرحيل"!! منذ متى وأنت خبيرة بتضاريس الألم،حتى تصنعي مني بهذه الألفاظ الملتاعة فاجعة عشق،وانتفاضة فزع،وارتعاشة وجع.لا لست خبيرة بتضاريس الألم،بل أنت بالذات عامل من عوامل تعرية القلوب من طمأنينتها،لتحفري فيها بإزميل شكّك نقوشا تنجب أبناء غير شرعيين من الشعور بالذنب.أنا حبل قديم مليء بالعقد،جعد،متقصّف الحوافّ،لكن بإمكانك أن توثقي به ما تشائين فلا تخشين انفلاته،إنّه ليس أفعوانيّ الملمس ليرحل منسابا إبّان غفوة طمأنينة تأخذك،إنّ عقده الباطنيّة ،الخارجية،خشونته،خمش حوافّه:عوامل بقاء لا عوامل رحيل. وكلّ هذه الكلمات التي تتترّسين بها لا تصلين بها إلى الكلمة السريّة التي تجدينها تنتظرك خلف الستائر،بعد أن تفرغي من شطب وإعدام كلّ الكلمات المتقاطعة الأخرى،ستبقى لك كلمة واحدة،تفرّقت أحرفها منذ عهد بعيد،وتغذّتْ جذورها في صحراء التيه على مياه جوفيّة سحيقة العمق،على أمل أن تلتقطها يدك ذات يوم وتزيح عنها الغبار،وتنطق بها شفتاك،وحينها سيتشكّل المعنى الحقيقي الذي ظللت تدندنين حوله وتراوغين دون بعث روحه بترياق أوتار صوتك،قولي:أغويْتكَ،وسأقول:صدقتِ. آه من بحّة صوتك،ذلك المنشار الذي لا يفارق عادته،يبتر غاديا ورائحا،يقطع صاعدا وهابطا،يفتّتُ مرحّبا ومودّعا،يجنّد الخلجات تجنيدا إجباريّا،يلغي حُجب الفراسخ والأميال بسرعته الضوئية،ويدخل بالنبضات عالم تحطيم أرقام السرعة القياسية. وآه من لثغة الراء في فمك،التي إن كانت تشبه شيئا فليست إلا كنقشٍ حريريّ اتخذ له مقعداً في دنيا من المخمل. حرف الجيم قصّة أخرى،ليس حرفا أصمّ في فمك،بل يجيء بوحْي من الغسق،كإشارة نداء أطلقتها عابرة محيط ضخمة تخترق الضباب،ليس إلى شواطئ البحر،ولكن إلى شاطئي الذي ثنى ساقيه إجلالا،وأطرق برأسه حيرة،أمام هذا الزخم من الفتنة. تجيء الجيم من فمك فتحرق في سبيلها كل الجيمات الصمّاء،وأتمنى لو أزجّ بها في مخارج أفواه كل الصبية الذين يتعلمون الكلام،لأجد من يتذوّق معي،في براءة بيضاء،متعة وعناء هذا الاحتلال الجيميّ المستبدّ. ومتى كان صوتك الأبحّ إلا كوخز العطر في أنف الوليد الذي يتفتق عن عطسته الأولى،العطسة البكر التي يتعرف بها على عالم سيكون له نصيب وافر من عمر حواسّه،عالم اسمه العطر. صوتك الأبحّ،بالنسبة لقلبي الذي عاد طفلا،أرجوحة بعيدة المدى،الذهاب فيها ينسي معنى العودة،والعودة منها تعني موت الفجأة. أما وشوشتك،فهي كائنات ذات حراشف زلقة،تنطلق من أذني زاحفة نحو كل الجسد ممارسة فيه كل جرائم الانتهاك،لتلتهم بأنيابها المدبّبة كل الغشاءات التي تغطي فوهات ينابيعه المتعجرفة، ويصبح كيانا رهيفا معلقا متأرجحا، العضو الثابت الوحيد فيه أذنه، وبقيته الذائبة مشنوقة بعنقها بأنشوطة الوشوشة، كقماشة مبتلّة تلهو بها هبّات طائشة. وغنّتك التي تشبه مقطعا بكائيّا،بالنسبة لصلابتي،أفران تنصهر فيها كل الأشكال الفولاذية لصلابة الرجل. وكحّتك الرقيقة،التي تحاكي رقّة خصرك،بالنسبة لوجيب صدري،فأسُُ باترة تحيل عظام ضلوعي حطاما هامدا. ويتردّد نفسك المكوي بلظى الاعتراف،فأتمنى لو كانت للأنفاس قناني بلّوريّة تودع فيها،لأدفئ قارّتي الجليديّة بلظى زفراتك المتولهة. أنا لا أخجل أن أستجلب عطفك بضعفي،لأن ضعفي هو الذي أوقعني في شراك حبك منذ البداية،وقد أدركت -متأخرا جدا-لماذا كان الشعر الغزير صفة جمالية في المرأة،هذه الغدائر المتماوجة في سحر سرمدي ما هي إلا إشارة إلى الصفة الغالبة في جنس النساء:أنّه لا تحرّر من شباك حبّهن إلا بالموت.ولم أعد أحمل إلا همّ الجراد الذي هجم على خضرة طمأنينتي،كيف أصرفه ليأكل جنوني الأشدّ خضرة،والأشدّ فوحاً،والأشدّ بريقا وتموّجاً تحت ضوء الشمس،لكنّي أعود لأتذكر أن أسراب الجراد لا تأكل الأخضر وحده،بل تأكل الأخضر واليابس معه. بك يا معذبتي أيقنت أنّ القلب يغطّ نوما تحت الأغطية وبدون الأغطية،لا إراديّا،وينتفض منبعثا من تحت الأنقاض والأتربة أو في العراء،لا إراديا كذلك. وآمنتُ أنّ الحبّ لم يكن قطّ مقسّما بالقسطاس المستقيم بين القلوب،وهو إذن ليس كالتغريد المتفرّق على حناجر الطير. الحبّ ينصب فخاخه معلّقا في أرجوحة لاهية بين السماء والأرض،متهادية في ارتفاع متراوح يسمح لها بالتصويب إلى ما بين التراقي والأحشاء،مطلقة عيارها الناري المجهول الجرم البادي الأثر، الذي حارت الألباب في تصويره حتى جاء هوميروس بالسهم الذهبي لكيوبيد: طفل الحب العابث.....
| |
|
عاشقه الجنه عضو محترف
عدد الرسائل : 1150 تاريخ التسجيل : 30/07/2007
بطاقة شخصية ملاحظاتي:
| موضوع: رد: مُختارات نثريّة ،، الأحد يناير 06, 2008 9:11 pm | |
|
.
يقرع باب اللحظة ويهرب ، يجعل الأشياء تبدو غبية فيما تمر حولنا دون ترجمة ، فيما صمتي يشي بارتباك ظل حنان متراخٍ ، فيما الطفلة فيَّ تهزج بجنون يلمّعني على واجهة الزجاج ويصقلني كسمكة ملونة داخل حوض للزينة ... رمقني وهو يبتسم لمرة وحيدة تجعله أكثر انسجاماً مع نفسه .
كانت الطاولة تتسع لمنازلة صغيرة تقيمها رؤية رافقتني إليه وحلم يعدّل من هيئته كي يكون أكثر تواؤماً مع كأس شاي ونظرة عابثة .
أطلق وجومه في الهواء الليلي البارد ، قريباً من النافذة الزجاجية المحايدة ، أنوثتي تقفز فجأة من صخرة هدوئه المريب ، والنهر عجوز يرقبني ، لم يكن ذاك المساء وديعاً كما عهدته ، كانت الطيور ترفرف بعيدة كأنها لم تعرفني يوماً ، تطوي أجنحتها كأوراق الشجر اليابس وتنام حول أعناقها الملتفة باستمرار ككلمات ناقصة موجوعة ، تتهرب مني لأني لم أعد أعني لها سوى صَدفة خاوية مرمية على الشاطئ ، هكذا ، كنجمة نسيت أن تضيء ، كشمس متهالكة ، اختارت أن تنام خلف رابية الصمت .
كان كل شيء في تلك اللحظة بعيداً ونائياً حتى يديه !
قال لي وهو يدني منه قدح الشاي الساخن : ليتني لم أعرفكِ هكذا ...
ظللت أحملق فيه بدهشة حلم فرَّ سريعاً من فجوة نارية في جسد الأفق . أعدت ترتيب كلماته كأنما قالها لي بصورة عكسية : ليتني عرفتك منذ أن عرفت عمري ، من البداية نفسها ...
لكني قلت بحزن : ليتنا لم ندرك هذه اللحظة أبداً
انشغل بفرك إصبعيه النائمين على الطاولة ، عندما يكون قريباً هكذا ، لا يكون أمامي سوى أن التهمه ، وأعود إلى مكاني بصمت !
قال : لستُ كما ترغبين ، لستُ كما أرغب حقاً ، وكلما فتحت في باب نعشي نافذة أغلقها عذابي المجنون ... "
النهر ينتحب كطفل مفقود ، بعد أن كان حلماً يذرّ النور ، خرجت وجوه الناس من المرايا ولم يعودوا يخشون عليها أن تتكسر ثانية ، وجهي الصغير وحده ظلّ عالقاً بشظية ملقاة في مكان ما لا يهم أحداً .
أمور كثيرة باتت تحضر في كل وقت ، نصغي للصوت الأكثر علواً وقوة ، تصير له روح غليظة إن هو أقرَّ بنفسه أكثر مما يجب !
كان الوقت ينزوي تحت الطاولة ، ضئيلاً ، مهملاً ، ومنفياً ، أمسكُ بالحلم كوردة طالعة من جدار يركض مجنوناً بين الطاولات المتناثرة ، علّه يعثر على طريقه خارجاً من هنا !!
ـ هل أنا حالمة كفاية لتتركني ؟
عاد العبث يداعب تلك الملامح العاصفة بشتاء لا يهدأ : " ربما كنت أنا من يحلم ويصارع ليقتل تلك الأحلام ، يا سيدتي أنا رجل يغادر كل صباح شِعره ليهرول في الشقاء ، ويتأخر فيما يخلع عنه شفافية الروح ... "
ـ ربما لأني لست قوية كفاية ؟
ابتسم بهدوء قائلاً : لستِ ضعيفة
ضحكت شفتاي ... كان المكان بساطاً سحرياً ينفرد بنا ، و بلورات مضيئة صغيرة تحوم حولنا كان يمكن أن أتخيل كل الحكايات الخرافية، وأن أتسلق الجبال المهداة لعملاق السحر ، أن يكون لي ظفيرتا شجرة مطرزة بمناقير عصافير فجرية الحب ، أن يكون اسمي ندى وعُلا وقرى نازفة خضرةً في جراح الأعشاب والمياه الفوّاحة ؛ بكلمة منه كان يمكن أن أظل أحلِّق بعيداً بلا مماطلة ولا هروب يخسف بمشاعر الرقّة وطراوة الغيم ، لكنه قال :
" لطالما أردتُ أن أكون فارسك النبيل ، شاعرك الملهم ، مرفأك القريب ... أدري أن عصراً كهذا يولد فيه الرجال داخل صناديق الصمت المحكمة عصراً لا يمكن أن يُكتب فيه شيء حقيقي لن أبارز بموت يخرج من العتمة ليصدّقه الشِعر ... "
قلت له وكانت يداه ترتجفان قليلاً على مفرش الطاولة الأبيض :
" الآن ، فيما العالم كلّه يدير لنا ظهره منشغلاً بإحراق الكتب الضخمة ، تلك الكتب التي كانت تعلّمنا طفولة الحب ودفء الشعر ، أرغب أن تكون أنت الحكاية الأكثر قرباً من القلب " قلت له وأنا أميل برأسي ناحيته وكأني أهمس " أريدك أن تكون حقيقتي التي لا تخاف ..."
اشتعل الصمت مدلَّهاً بالريبة ، تكره عيناه الكلمات التي تأتيه قفزاً من أرجوحة تشطب الريح بسرعة مذهلة ...
أنفرد به ، امتزج بحزنه العميق كندبة في جبين هرم ، اختلي بيديه الغريبتين ، وحدهما تعبثان بأغصان اخياختي المكتنزة بخضرة الروح ، يبقيهما بعيداً عن يدي المخذولتين ، المرميتين كجثة بائسة .
لا يشبه حديثنا صوت الحواس ، بكائية المهد ، لغة العذوبة الأزلية ، الرطبة التي تنزل من أهداب المطر ، وتسقط في كفي طفل يطارد الفراشات ويحلم بأهزوجة الجدول الصغير ...
لو أنك مددت يديك واحتضنت أناملي الباردة ، كنّا سنشعر لحظتها بأن الأمر كلّه كان غلطة فحسب ، وسيتلاشى كل ذلك الغموض ، ستبتسم في حيرة متلفتاً حولك وأنت تقول ببساطة :
" ماذا نفعل هنا ؟ " لكن كان وجهك يتحدث ، فيما الكلمات تفر مذعورة ، فيما هي تخوض بساقيها النحيلتين في برك الماء المتناثرة ، فيما كانت موسيقى عذبة تصدح هناك في البعيد في القلب الذي يمشي وحده على الرصيف الغريب ، ينتظر من يصطدم به ليعتذر ، لينسكب قليل من الحنان في هذا الليل الذي لا يتعرف على الأرانب الصغيرة ووجوه السناجب التي تنبت فيها الأزهار المعطَّرة قلت له فجأة : هل ما زلت تقرأ عن التنين ؟
صمت لوهلة ، نفرت غزالة اللحظة خلف كتفي ... قلتُ : هل مازال التنين ينفث النار من فمه ؟ هل ما زالت الحكاية كما هي ؟
وألتفتُ إلى الليل الذي يمشي وحده على الرصيف وصبايا السحب ترفع ذيل ثوبها الغمامي مطاردة في ممرات السماء ...
ابتسمَ بلطف ، نادى على النادل ، وقريباً كان يسجل طلباتنا على العشاء ، كنت مهتمة حقاً بوجوه السناجب التي تطلّ علي من وراء النافذة فيما كان رأسه يختفي في الطعام الذي سيأتي
راحت تلك الوجوه ترسم زنابق مضيئة ، في سلة من أزهار البنفسج ، كانت تقترب مني وكنت ازدحم منتشية برونق فضتها ، رأيتني أدخل إليها بثوب أبيض من سحر الأساطير، أصعد على أغصان الشجرة التي خرجت منها ، أفتح باب الغيوم وأضيع فيها ...
كان يمكن لفكرة مبهجة أن تبقيني ساذجة ، وما كنت لأكرهها ، كان يمكن أن نحلم معاً وأن ننهار عند عتبات الطقوس الضائعة لأشعار القادمين وأولئك الذين يذهبون دائماً ويتركون ملامحهم معلَّقة في الهواء ، قرب نوافذ الصقيع ، تلعب بالثلج والغبار وأقدام الخارجين من فم زوابع مجنونة ، لو لم يكن ذلك الصوت الذي يأتي من أعماقي كنغم هواء يغصّ بضباب كثيف يمزِّق حواف البساط الخرافي ويبعثر كرات النور المضيئة ساخراً بي : لست أنت ِ ، لستِ أنت
لو لم تكن عيناه تلفني كقطيفة الأغصان المتضوعة بالياسمين ...
رغم كل شيء يقول : " الكتاب الذي لا يحمل بين طياته سوى ورقتين فقط ، كتاب لا يقرأ ! ، منذ أن عرفتكِ وأنت مهرة تشدّ البراري إليها ، تلثم صهيلها الأزهارُ الوحيدة ، عرفتك لصيقة بالأرواح التي على وشك أن تبكي ... كان الوهم لا يكفي لأن أراك كما أنت ، كنتِ أكثر عمقاً من ذلك وأكثر ثورة على الظلام الذي يتنقل داخلي باستمرار "
قلتُ له بصوت تحتلّه العصافير " شئتَ أم أبيت أنت ثورتي الوحيدة التي لم أعاند دخولها سراً عبر أسواري ، وأنت كلمتي الوحيدة التي خرجت دون غطاء ، أنت قصيدتي التي لا أجادل فيها ، وخيالي الذي لا أخشى من محادثته علناً ، قد تكون حارساً لآرائك حول الحياة المثقلة بالأعباء ، حياتك المزدوجة بين الأرض والسماء ، بين الوردة وأكاذيب التراب ، قد لا يعدو يومك أن يكون تاريخاً مثقلاً بالأوجاع ، والركض المجنون ، لكنني أحس بك ، هذه العاصفة التي تجلدك وتطوف بك مراراً ، تقف عند باب اخياختي وتتركك بهدوء ! "
مرت النجوم بقربي خارجة من ثيابه ، وجلسته المتهيئة للموت ، عانقتني شرارات زهرية كانت في الطريق نفسه الذي التقي به مراراً ...
" أتأخر دوماً ، أتنزه في العالم الذي أعتقد أنني أفهمه ، أركض فيتلثمني الغبار ، أمد يدي مصافحاً من هو أجدر مني بالرثاء لأجده يلفّني كشماغ على رأسه الضيق ! الذين نعتقد أنهم الأكثر معرفة هم الذين لا يمكن أن نميزهم وهم يتلاشون في الظلام محتمين بنا ، أولئك لهم معاركهم الخاصة التي لا يمكن أن نكون طرفاً فيها ، لا يكون بوسعي سوى أن أقسو على قصائدي ، حتى لا تعود تعرفني ، وحين تمعن الأيام في توبيخي أعود إليكِ ..."
قلتُ : " فيما أنتظر ، فيما تصير حماقتي هاجساً متلعثماً بالحيرة ، فيما الأسئلة مداولة للعجز ، فيما قلقي يلتصق بجدار يحيك شباكاً للظلال ، هل تفكر بي عندئذ ؟ هل أخطر على بالك ؟
كل شيء في حياتي يتلون عندما يزورني وعدكَ ، وعندما أكف عن كوني وحيدة "
دنت يده فجأة من أصابعي الساكنة ، ابتسم المطر الذي نحبه ، راح يروي لي حكايات جاءت الآن من أهداب صبية تكتحل بالشمس ، وشوشت في اخياختي فراشات الحقل ، وانتفضت الشتلات الصغيرة التي تنام في أنفاس الأرض ، قال : " أيتها الطفلة التي تلتحم بالمهد ، إنه عالم الكبار ، والكراهية ومدامع الأشجار المتفحمة ، رغم كل هذا يخرج طائر أحلامك المخبّأة ، المكنونة ، صافية العمق ، تلك التي لا تذبل ولا تترهل ... أنتِ الحقيقة وأنا الفرار الدائم ... " كأنما أسحبه إليّ ، كأنما أدفع عنه الحزن وأخضِّب ابتسامته المنكسرة بنسائم عليلة من رأفة الحنو ، نختفي في النبض الجديد الذي كان هنا قبل ألف عام ولم يدرِ به أحد ... ظل صمتنا شهياً ، ومولعاً بنشر خمائل سعادة سنحيا فيها ...
خرجنا نورسين بلا مدينة ، وثمة رنين يلعب في الكرسيين الفارغين !!
وفاء العمير
| |
|