-لا يا صديقي ..حياتك في جريانك أيها النهر العزيز ..أنت تقدم الخير للآخرين ، وحين تتوقف عن العطاء ستترك الكثيرين للموت!!
ضحك النهر بصوت مرتفع وقال :
- يا لك من شجرة بلهاء ما دخلي أنا .. سأتوقف عن الجريان ولن يحدث شيء .. ألا يحق لي أن أستريح ، أمرك عجيب ؟؟!!..
نفذ النهر ما أراد ..فجأة توقف عن المسير ، وبدأت مياهه تجف شيئا فشيئا حتى كادت تنتهي .. كان فرحا مسرورا لأنه حقق أخيرا حلمه ، وأراد أن ينام بعض الوقت .. كان يظن أن الأمور تسير على أفضل حال !!
بعد عدة أيام ، وكان كل شيء قد تغير وتبدل ..مرت سعاد تلك الطفلة الجميلة التي تعرف هذا النهر منذ مدة .. فوجئت تماما عندما صارت قريبة منه ، لم تصدق ما تراه ، قالت بتأفف :
- كم أنت غريب أيها النهر ، إن رائحتك كريهة ، وأشجارك يابسة ، ومنظرك منفر ..
لم تحتمل المنظر والرائحة ، ابتعدت راكضة وهي تسد فتحتي أنفها بالسبابة والإبهام ..
بعد قليل جاء الطفل خالد ليدرس على ضفة النهر كما تعود، لكنه كم أسف حين رأى ما رأى ، لم يكن بإمكانه الجلوس حتى لدقائق قليلة ، فاضطر للابتعاد وهو يقول:
- يا لك من نهر مسكين .. ماذا جرى لك حتى وصلت إلى هذه الحال؟؟ لا بد أن مصيبة ما قد وقعت .. مسكين أنت يا صديقي النهر!!..
أما الأشجار ، تلك التي أصابها ما أصابها من تصرف النهر ، فكانت تفقد حياتها أو تكاد ..
قالت له الشجرة القريبة وهي تتلوى من الجوع والظمأ :
- أرأيت أيها النهر ماذا فعلت بنا وبنفسك ؟؟ إنك تدفع بنفسك وتدفع بنا للموت ..
لم يجب النهر لأنه كان في غاية الحزن والألم .. لكنه قال بعد حين ودموع الندم في عينيه :
- آه كم أنا حزين أيتها الجارة الشجرة .. ليتني كنت عاقلا ولم أقم بما قمت به !! ماذا جرى لي .. لعن الله الشيطان.. كانت فكرة مجنونة .. لكن سأكفر عن خطئي.. سأعود للجريان...
لكن هيهات !! حاول النهر جهده دون جدوى .. لقد أصبح الماء ضعيفا بليدا .. قالت الشجرة :
- عليك أن تنتظر المطر لتسير من جديد ..
أجاب النهر بحزن :
- لكن هل سأعود مثلما كنت .. وهل ستعود الأشجار والأزهار كما كانت ؟؟
تنهدت الشجرة بأسف وقالت :
- ربما يا صديقي... ربما !! لكن هناك من فقد حياته بسبب طيشك ورعونتك .. ما فعلته كان نوعا من الجنون ..
اعترف النهر قائلا :
- لقد أخطأت خطأ كبيرا فادحا .. لكن ماذا يفيد الندم .. آه كم أشعر بالألم يا جارتي الشجرة ..
من حسن حظ النهر والشجر والأزهار أن الوقت لم يطل ، فبعد أيام هطل المطر غزيرا ، فأخذ النهر بعد أن امتلأ بالماء يسير مسرعا وكأنه يرقص من الفرح .. كان يمنح الماء ويعطيه للآخرين بسرور وحب .. ودوما كانت تتجمع في عينيه دمعتان كبيرتان عندما يتذكر من مات عطشا بسبب توقفه عن الجريان ، وهذا ما كان يدفعه لزيادة سرعته في توزيع الماء على الجميع
..